الصبر عند نبينا محمد وكيف نتحلى به؟

عدنان بن عبد الله القطان

28 محرم 1444 هـ – 26 أغسطس 2022 م

——————————————————————————

الحمد لله المتفرّد بالدّوام والبقاء، المنزّه عن العَدَم والفناء، نحمده تعالى على قضائه وقدره، وصفاء الأمر وكَدَرِه، ونشكره على حال السرّاء والضرّاء، والشدّة والرخاء، ونسأله الصبر على مُرِّ القضاء، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده، ولا أنداد ولا شركاء، ونشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله إمام الحنفاء وسيد الأصفياء، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأتقياء الأنقياء، وصَحْبه بُدُور الاهتداء وأنجم الاقتداء والتابعين ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فإن التقوى مع الصبر من صفات ذوي العزم: يقول الله تبارك وتعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) وقال لقمان لابنه في موعظته له، (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)

معاشر المسلمين: إن أعظم قدوة للمسلم في حياته وفي سلوكه وفي تصرفاته ومواقفه وأخلاقه هو سيد المرسلين، وإمام المتقين، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه ربه عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) لقد كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن ابتعثه الله نبياً ورسولاً، كانت حياة مملوءة بالابتلاءات والشدائد والمصائب والبلايا، ولكنه صلى الله عليه وسلم وهو إمام الموحدين وسيد المتقين، قابل تلك الشدائد كلها والمصائب جميعها، قابلها بصبر جميل، وثبات عظيم، فضرب صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأتباعه من المؤمنين أروع الأمثلة في الصبر والثبات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

إن كثيراً من المبادئ والقيم تظل -على الرغم من جمالها وعظمتها- مجرد أفكار وصور لا حقيقة لها ما لم يوجد لهذه القيم والأخلاق من يحملها ويطبقها ويعيش بها، ويكون أعظم قدوة لمن يحتذي به، وأعظم أسوة لمن يتأسى به، لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم القدوة في كل ما دعا إليه من مبادئ وأخلاق وقيم وفضائل وسلوك حميد، يجد المؤمنون في حياته صلى الله عليه وسلم في سيرته الأسوة الحسنة والقدوة الكاملة.

أيها المؤمنون: والصبر من أعلى مقامات اليقين، وبه مع التقوى تُنال الإمامة في الدين، وقد جمل الله تعالى به المرسلين، وأمر به خاتم النبيين، فقال تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ) وقال: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ) وقال سبحانه: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) وأول سورة نزلت كان الأمر بالصبر حاضراً فيها: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) وآياتٌ سواها كثيرةٌ في كتاب الله تعالى.. والأخذ بعزائم الشريعة أمراً ونهياً لا يطيقه إلا الصابرون، ومواجهة شر الأقدار بالتسليم والرضا لا يقدر عليه إلا أهل الصبر، وكدر الدنيا وكربها وهمومها تحتاج إلى صبر؛ ولذا أمر المؤمنون أن يستعينوا بالصبر على ذلك كله؛ لينالوا معية الله تعالى وعونه ومدده فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وأن يتواصوا به فيما بينهم: فقال تعالى (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

وأما الجزاء فعظيمٌ جدًّاً: (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ) (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) ويكفي في جزائهم أنه بلا حساب: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وقصَّ الله تعالى أخبار صبر الأنبياء عليهم السلام للتأسي بهم في ذلك؛ ففي صبر أيوب على مرضه الشديد الطويل قال الله تعالى فيه: (إِنَّا وَجَدْنَٰهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ ۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ) وفي صبر إسماعيل وهو يقدم للذبح: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ) وفي صبر يعقوب على فقد ولده: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) وفي صبر يوسف على ما ناله من البلاء العظيم: (قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وقص الله تعالى ذلك على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليثبت ويصبر، فقال: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا) وقال: (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) فحقق صلى الله عليه وسلم أعلى درجات الصبر، وتحمل في سبيل الله أنواع الأذى، وكل ما قص الله تعالى علينا من أنواع الابتلاءات التي ابتليت بها الرسل فإن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قد ابتلي بجميعها وبما هو أشد منها؛ فصبر صبراً جميلاً لا جزع فيه ولا سخط ولا شكاية. لقد صبر صلى الله عليه وسلم على أذى المشركين في مكة، وعلى أذى بعض اليهود والمنافقين في المدينة، وكل هذه الطوائف الثلاث حاولوا قتله غير مرة.. لم يقتصر صبره صلى الله عليه وسلم على الأذى والابتلاء والكرب، بل شمل صبره الصبر على طاعة الله سبحانه وتعالى حين أمره ربُّه بذلك فقال: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) وقال: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) فكان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العبادة والطاعة حتى تتفطّر قدماه من طول القيام، ولا ينفك عن القيام بطاعة أو قربة لله عز وجل، شعاره في ذلك كله: (أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟) وصبر صلى الله عليه وسلم على الابتلاءات العظيمة التي ابتُلي بها في نفسه وأهله وولده وقرابته، وصبر على شدة الفاقة، وإلحاح الحاجة، وكان ابتلاؤه منذ نشأته صلى الله عليه وسلم.. لقد لازمته الابتلاءات منذ صغره فولد يتيماً، ونشأ فقيراً، وفجع بوالدته طفلاً لم يتجاوز ست سنوات، فلم ينسها قط، والطفل لا ينسى فَقْدَ أمه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (زار النبي صلى الله عليه وسلم قبرَ أمه فبكى وأبكى من حوله) ثم فجع بوفاة جده عبد المطلب وهو ابن ثماني سنوات، فأعاله عمه الفقير أبو طالب فضمه إلى بنيه، فأعانه النبي صلى الله عليه وسلم وهو طفلٌ برعي غنم أهل مكة على دراهم معدودة..هذا اليتيم الفقير أراد الله أن يكون خاتم المرسلين، وخيره بأن يكون ملكاً رسولاً أو عبداً رسولاً، فاختار الثاني. عباد الله: ولما بُعث محمداً بالرسالة وآذاه المكذبون فُجع بموت المدافع عنه عمه أبو طالب، وبموت المواسية له زوجه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في عام واحد سُمِّي عام الحزن.

لقد فُجِع صلى الله عليه وسلم في قرابته وأهل بيته كأشد ما يفجع أحدٌ في أهله، فتتابع موتهم عليه منذ صغره صلى الله عليه وسلم، ورزق سبعةً من الولد: القاسم وعبد الله وإبراهيم ورقية وأم كلثوم وزينب وفاطمة، ماتوا كلهم تباعاً أمامه إلا فاطمة فماتت بعده، ودخل صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم وهو في النزع الأخير فأخذه، فقبله وضمه، وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان بالدموع، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله تبكي، فقال: (يا ابن عوف: إنها رحمةٌ)، ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون.. وصبر صلى الله عليه وسلم على الفقر وقلة ذات اليد، وعانى شظف العيش، ووجد ألم الحرمان، وأحسَّ بقرص الجوع، أخبر عنه بذلك ألصق الناس به فقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إلى الهِلَالِ، ثُمَّ الهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أهِلَّةٍ في شَهْرَيْنِ؛ وما أُوقِدَتْ في أبْيَاتِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَارٌ) وقالت: ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمرٌ.. وقالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض). وقالت: (وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين) وأخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاءً، قال: (وكان عامة خبزهم خبز الشعير) وقال النعمان بن بشير رضي الله عنهما: لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل (وهو أردأ التمر) ما يملأ به بطنه). مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الطعام الطيب، والشراب الطيب، لكنه لا يجده من قلة ذات اليد؛ فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلواء والعسل، ويحب الذراع من اللحم، ويتتبع الدباء، وهي التي تسمى اليقطين أو القرع. وذات مرة أتته ابنته فاطمة رضي الله عنها بكسرة خبز، فقال: ما هذه؟! قالت: قرصٌ خبزته، فلم تطب نفسي حتى آتيك بهذه الكسرة، قال: (أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام) أما عن فراشه صلى الله عليه وسلم فقد كان صلى الله عليه وسلم ينام على الحصير حتى أثَّر في جنبه، فيراه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على تلك الحال فيبكي! فيقول له صلى الله عليه وسلم: مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ فيقول: يا نبي الله وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك؟ وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى؟ وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته! وهذه خزانتك؟ فيضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الصبر ويحلق في معاني الإيمان والأمل بما عند الله والدار الآخرة قائلًا: (أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟!بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

إن الواجب على كل مسلم ومسلمة في كل زمان ومكان أن يشكر الله عز وجل على هذه النعم الكثيرة التي نتقلب فيها ليلاً ونهاراً وصدق الله العظيم حيث يقول: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) كما يجب علينا أن نتأسى ونقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخصلة العظيمة والخلة الرفيعة خصلة الصبر وأن يكون شعاره قول الله تعالى: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ) اللهمّ إنا نسألك أن تجعلنا من الشاكرين على نعمائك، الصابرين على بلاءك، وأن تثبّتنا على الرضى بحكمك وقضائك، ونسألك أن ترحمنا وتغفر لنا وتتوفّانا على كامل الإيمان إنك سميع مجيب الدعاء.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، نحمده على أفضاله وإحسانه، ونشكره على جزيل منّه وإكرامه، أمر بالصبر وأثنى على الصابرين، ووعدهم أجراً عظيماً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

أما بعد: فيا أيها المسلمون والمسلمات: رغم ما يعيشه كثيرٌ من الناس من رغد العيش، وتتابع النعم عليهم، وما رزقوا من وسائل الراحة والرفاهية، إلا أن القلوب قلقةٌ، والنفوس ضيقةٌ، والبركة تكاد تكون منزوعةً من أوقات الناس وأعمالهم وأعمارهم وأموالهم، ويزعجهم واقعهم بتفصيلاته وتعقيداته، ويخافون المستقبل المجهول، ولا يدرون ما خبئ لهم من الأقدار.

كل ذلك كان سبباً في أمراض القلق والاكتئاب التي قد تودي بأصحابها إلى الهلاك أو الجنون، ولا وقاية من ذلك كله إلا بالصبر الذي أرشد الله تعالى إليه، والصبر يكتسب كما تكتسب سائر الأخلاق، فمن أراد النجاة فليتروض على الصبر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن يتصبر يصبره الله) إن من عاش اليتم فعليه أن يتذكر يتم النبي صلى الله عليه وسلم وصبره، ومن تألم لفراق أحبته وزوجه وولده ووالديه وقرابته، فليتذكر فراق أحبة النبي صلى الله عليه وسلم له، وصبره على ذلك؛ فلقد فارقه صلى الله عليه وسلم أبوه وأمه وجده وعمه وزوجه وبنوه الثلاثة وثلاثٌ من بناته ولم يبق له إلا واحدةٌ.. ومن عالج مرضاً مزمناً فليتذكر مرض النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان مرضه صلى الله عليه وسلم أشد من مرض غيره، وحُمَّاه أحر من حُمَّى سواه، وصداعه ليس كصداع الناس، قال الصحابي الجليل عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: دَخَلْتُ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهو يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بيَدِي، فشعرت بحرارته الشديدة، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَجَلْ إنِّي أُوعَكُ كما يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنكُم: فَقُلتُ: ذلكَ أنَّ لكَ أَجْرَيْنِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَجَلْ، ثُمَّ قالَ: ما مِن مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِن مَرَضٍ، فَما سِوَاهُ إلَّا حَطَّ اللَّهُ به سَيِّئَاتِهِ، كما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا.. ومن عانى قلة ذات اليد، واهتم لديون ركبته؛ فليتذكر جوع النبي صلى الله عليه وسلم حين كانت تمر عليه ثلاث ليال طاوياً، وليعلم أنه صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونةٌ في شيء من شعير.. ومن أوذي في الله تعالى لدعوته، وصَدْعِه بالحقِّ، وأَمْرِهِ بالمعروف ونهيه عن المنكر، ودعوته لله، فليتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوذي بما هو أشد وأكثر، فقابل الأذى بالحلم والصفح والصبر؛ حتى أظهر الله تعالى دينه وأعلى شأنه، ورفع ذكره، ودحر أعداءه، وما نال صلى الله عليه وسلم ذلك إلا بالصبر والتقوى.

عباد الله: إن مقومات العيش الكريم ثلاثٌ جمعها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا) وكل هذه الثلاث افتقدها النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من فترات حياته؛ فكان لا يأمن غدر المشركين واليهود والمنافقين، وكانت الأمراض تصيبه حتى فارق الدنيا، وكان يجوع كثيراً من قلة ذات اليد، ولا يأتيه مالٌ إلا أنفقه ولم يدخر لنفسه منه شيئاً. فمن تذكر اجتماع ذلك على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وهو خير خلق الله تعالى أجمعين هانت مصائبه ولو كانت عظيمةً، وتأسى به في الصبر والرضا. والابتلاء لا بد منه للتمحيص والتطهير، ولا ينجو في أمواج الابتلاء، ومحارق الفتن، إلا من تسلح بالتقوى، واستعان بالصبر والصلاة: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)

ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين، اللَّهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرْكِ الشَقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ. ونعُوذُ بِكَ مِنَ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيِعِ سَخَطِكَ ياذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار. وما قرب إليها من قول أو عمل، ونسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيراً يا رب العالمين.

اللهمّ يا فارج الهم، ويا كاشف الغم، مذهب الحزن، اللهمّ أكشف عنّا همّنا وغمّنا وأذهب عنّا حزننا، اللهم يا سامع كل شكوى، ويا شاهد كل نجوى، ويا عالم كل خفية، ويا كاشف كل كرب وبلية، ويا منجي. نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام. نجنا من كل بلاء وسقم ومرض يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا

حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء..

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس وفلسطين والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، وأحفظ المرابطين فيه، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا، وارحم والدينا وارحم موتانا، وارحم موتانا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين.